أصبح البال مدينة مهجورة .. لا يسكنها ... سوى النسيان
(1)
ما هو البال ؟
إنه تلك المساحة البيضاء من الذاكرة
التي نحتفظ فيها
بكل رصيدنا من الوجود والذكريات
والمواقف التي عشناها ذات زمن
والحكايات التي مارسنا فيها ذات يوم
دور البطولة
(2)
فالبال مدينة دافئة
يتجول فيها كل الذين كانوا ذات يوم هنا
يتقاسمون معك رغيف الحياة
ويتنفسون معك أريج الأحلام
ثم انتقلوا إلى الإقامة في أجندة الذاكرة
وتحولوا مع الأيام إلى بقايا وأطلال
لكن رياح الحنين تأتي إليك بعطرهم
كلما طرق الحنين أبواب بالك
(3)
وهناك من يقيم في البال إقامة قصيرة
ثم يرحل ببقاياه كعابر سبيل
ولا يبقى خلفه في الذاكرة حتى القشور
وهناك من يقيم إقامة دائمة
ويسري في عروق ذاكرتك كالدم
وتبوء كل محاولاتك للتخلص منه
ونسيانه بالفشل
وربما تسبب مع مرور الوقت
في ضياعك
(4)
فالبعض يأتي على بالك
ليملأك بالألم
ويفسد عليك متعة أوقاتك السعيدة
ويتفنن في تفجير آبار ذاكرتك
ليغرقك بالحنين إلى أشياء مضت
وانتهت
(5)
والبعض يأتي على بالك
ليستعرض أمامك مساحة سذاجتك
وليدخلك في حالة من الندم
على أشياء كانت
وكان يجب أن لا تكون
(6)
والبعض يأتي على بالك
ليجعلك تكره نفسك
حين تتذكر أنك ذات يوم كنت تحبه
وأنك ذات يوم حلمت به
وأنك ذات يوم كنت تتنفس وجوده
وأنك ذات يوم كنت
تعيش وتحيا من أجله
(7)
والبعض يأتي على بالك
ليؤكد لك
عجزك عن نسيانه
وعجزك عن كراهيته
وعجزك عن استبداله بآخر
ويستعرض أمامك كل محاولاتك
الغبية
والفاشلة
لنسيانه
(
والبعض يأتي على بالك
كي يمنحك لحظة فرح قصيرة
ويهب قلبك الحزين سعادة مؤقتة
ويسقي جفافك بقطرات الفرح
ويجعلك تعيش نزوة فرح سريعة
(9)
والبعض يأتي على بالك
ليملأك بالرعب
لأنه يمثل ذلك الشطر الأسود من ماضيك
والذي تحاول جاهداً أن تنساه
لأنه يهدد حاضرك الجميل
الذي تحرص على المحافظة عليه
(10)
والبعض يأتي على بالك
ليقلق ضميرك
ويعيد أحاسيسك الميتة إلى الحياة
ويعكر صفو حياتك
ويطاردك كوحش الليل
ويصرخ في وجهك بصوت المظلوم
ويذكرك بأنك ذات لحظة
تجردت من إنسانيتك
وظلمته بلا رحمه
(11)
والبعض يأتي على بالك
ليعلمك البكاء .. ويعلمك الحزن
ويعلمك الانطواء
ويسرق منك إحساسك بالوجود
ويفسد عليك إحساسك بالآخرين
(12)
والبعض يأتي على بالك
ليسرقك من عالمك .. ويأخذك إليه
ثم يعيدك إليك
بعد أن يجردك من فكرك وقدرتك على
الوقوف من جديد
أول الهمس
أسمع طرقاتك فوق باب بالي في ليلة العيد بإلحاح مرير
فقط .. كي تفسد عليّ .. فرحة العيد
آخر الهمس
أين أنت ؟
أطلت الغياب عن بالي
وأنا منذ ألف ليلة أنتظرك
كي أخبرك بأني ما عدت أحبك